مجلّة اقتصادنا الإسلامي تصدُر عن نادي الرّقيم العلمي المُتفرع عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
حصريا

دور الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI) في تعزيز الاقتصاد الإسلامي – د. نجلاء عبد المنعم إبراهيم -مصر-

0 882

دور الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI) في تعزيز الاقتصاد الإسلامي

د. نجلاء عبد المنعم إبراهيم

الملخص

هدفت الدراسة إلى استكشاف دور الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) في تعزيز الاقتصاد الإسلامي، وذلك من خلال تحليل مفهوم وأهمية هذا النوع من الاستثمار، ومدى توافقه مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي. كما سعت الدراسة إلى استكشاف آفاق التكامل بين أدوات التمويل الإسلامي، مثل الصكوك الإسلامية، وأدوات SRI لتعزيز التمويل المستدام. بالإضافة إلى ذلك، تناولت الدراسة استعراض تجارب بعض الدول الإسلامية في تطبيق الاستثمار المسؤول اجتماعيًا، واستخلاص الدروس المستفادة منها. كما تم تحليل التحديات والفرص المرتبطة بتطبيق SRI في أسواق المال الإسلامية، مع تقديم توصيات عملية لتعزيز دوره في دعم الاقتصاد الإسلامي.

توصلت الدراسة إلى أن الاستثمار المسؤول اجتماعيًا يتوافق بشكل مثالي مع القيم الأساسية للاقتصاد الإسلامي، مثل العدالة والشفافية والتنمية المستدامة، مما يعزز من قدرته على تحقيق نمو اقتصادي شامل ومتوازن. كما أظهرت الدراسة أن تبني مبادئ SRI يتيح ابتكار أدوات مالية إسلامية جديدة، مثل الصكوك الخضراء وصناديق الاستثمار الاجتماعي، مما يساهم في تنويع المنتجات المالية وجذب مستثمرين يسعون لتحقيق استثمارات مسؤولة ذات أثر إيجابي. بالإضافة إلى ذلك، أشارت النتائج إلى أن الاستثمار المسؤول يمثل آلية فعالة لدعم الاقتصاد الإسلامي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة في مجالات مثل مكافحة الفقر، التعليم الجيد، الطاقة النظيفة، والعمل اللائق.

الكلمات المفتاحية: الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI)، الاقتصاد الإسلامي، التنمية المستدامة، الصكوك الخضراء، التمويل الإسلامي، المسؤولية الاجتماعية، التنمية الشاملة، الاستثمارات المالية الإسلامية.

Abstract
This study aimed to explore the role of Socially Responsible Investment (SRI) in enhancing the Islamic economy by analyzing the concept and importance of this type of investment and its alignment with the principles of the Islamic economy. The study also sought to explore the integration between Islamic financial instruments, such as Sukuk, and SRI tools to promote sustainable financing. Additionally, the study reviewed the experiences of some Islamic countries in applying socially responsible investment and drew lessons learned from them. The challenges and opportunities associated with implementing SRI in Islamic financial markets were also analyzed, with practical recommendations to enhance its role in supporting the Islamic economy.
The study concluded that socially responsible investment aligns perfectly with the core values of the Islamic economy, such as justice, transparency, and sustainable development, thereby enhancing its ability to achieve inclusive and balanced economic growth. The study also showed that adopting SRI principles allows for the innovation of new Islamic financial instruments, such as green Sukuk and social investment funds, which contributes to diversifying financial products and attracting investors seeking responsible investments with a positive impact. Furthermore, the findings indicated that socially responsible investment is an effective mechanism for supporting the Islamic economy in achieving sustainable development goals, particularly in areas such as poverty reduction, quality education, clean energy, and decent work.

Keywords: Socially Responsible Investment (SRI), Islamic Economy, Sustainable Development, Green Sukuk, Islamic Finance, Social Responsibility, Inclusive Development, Islamic Financial Investments, Economic Justice, Environmental Impact, Social Development, Investment Instruments.

المقدمة

شهد العالم خلال العقود الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الاهتمام بمفاهيم التنمية المستدامة والاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI)، مدفوعًا بزيادة الوعي بأهمية توجيه الاستثمارات نحو مشاريع لا تقتصر على تحقيق الأرباح المالية فحسب، بل تركز أيضًا على تحقيق آثار اجتماعية وبيئية إيجابية. ويتناغم هذا الاتجاه الجديد مع المبادئ الجوهرية للاقتصاد الإسلامي، القائم على قيم العدالة، والتكافل الاجتماعي، والاستدامة، وتحقيق النفع العام.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية الاستثمار المسؤول اجتماعيًا كأداة فاعلة لتعزيز الاقتصاد الإسلامي، من خلال إتاحة فرص استثمارية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتجمع بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. إذ إن دمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية مع المبادئ الأخلاقية التي تحكم المعاملات المالية الإسلامية، يُسهم في بناء اقتصاد أكثر شمولية واستدامة، ويلبي تطلعات المجتمعات نحو تحقيق تنمية عادلة ومتوازنة.

مشكلة الدراسة

رغم التوافق الواضح بين مبادئ الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) وأسس الاقتصاد الإسلامي القائمة على العدالة الاجتماعية والاستدامة وتحقيق النفع العام، إلا أن تطبيق هذا النوع من الاستثمارات في أسواق المال الإسلامية ما يزال محدودًا ويواجه العديد من التحديات. ويبرز من بين هذه التحديات غياب المعايير الموحدة لتطبيق SRI وفقاً للضوابط الشرعية، وضعف الوعي بأهمية الاستثمار المسؤول، بالإضافة إلى نقص أدوات قياس الأثر الاجتماعي والبيئي للاستثمارات بشكل يتماشى مع متطلبات الشريعة الإسلامية.

في ظل هذه المعطيات، تبرز مشكلة الدراسة في التساؤل الرئيسي التالي:
ما مدى إسهام الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) في تعزيز الاقتصاد الإسلامي، وما التحديات والفرص المرتبطة بتطبيقه في أسواق المال الإسلامية؟

وتنبثق عن هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعية، منها:

  • ما مفهوم الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) وأبعاده في السياق الإسلامي؟
  • كيف يمكن تكييف معايير SRI مع مبادئ الشريعة الإسلامية؟
  • ما أبرز الفرص التي يتيحها SRI لتطوير أسواق المال الإسلامية؟
  • ما التحديات التي تواجه تفعيل SRI في بيئة الاستثمار الإسلامي؟

أهداف الدراسة

  1. التعريف بمفهوم ونشأة الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI)، وإبراز تطوره التاريخي وأبعاده الفكرية والاقتصادية.
  2. توضيح أهمية الاستثمار المسؤول اجتماعيًا وأهدافه، مع التركيز على دوره في دعم التنمية المستدامة وتحقيق الأثر الإيجابي اجتماعياً وبيئياً.
  3. بيان مبادئ الاقتصاد الإسلامي الأساسية وتحليل مدى توافقها مع معايير وأهداف الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI).
  4. استكشاف آفاق التكامل بين أدوات التمويل الإسلامي، لاسيما الصكوك الإسلامية، وأدوات SRI، بما يعزز من فرص التمويل المستدام.
  5. عرض نماذج وتجارب ناجحة من الدول الإسلامية في مجال تطبيق الاستثمار المسؤول اجتماعيًا، واستخلاص الدروس المستفادة منها.
  6. تحليل التحديات والفرص المرتبطة بتطبيق SRI في أسواق المال الإسلامية، مع تقديم رؤى عملية لتعزيز دوره في دعم الاقتصاد الإسلامي.

أهمية الدراسة

تنبع أهمية هذه الدراسة من تسليطها الضوء على أحد الاتجاهات الحديثة في عالم الاستثمار، والمتمثل في الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI)، ومدى انسجامه مع المبادئ والقيم التي يرتكز عليها الاقتصاد الإسلامي. وفي ظل تزايد الاهتمام العالمي بالاستدامة والحوكمة الرشيدة والمسؤولية الاجتماعية، تصبح الحاجة ملحة لاستكشاف كيفية توظيف هذه المفاهيم ضمن إطار الشريعة الإسلامية بما يعزز من فرص تنمية اقتصادات الدول الإسلامية بطريقة عادلة ومستدامة.

الدراسات السابقة

  1. دراسة أحمد، (2019) “الاستثمار المسؤول اجتماعيًا وأثره في دعم مبادئ الاقتصاد الإسلامي
    تناولت الدراسة العلاقة بين الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) ومبادئ الاقتصاد الإسلامي، مُركزةً على مدى توافق معايير SRI مع قيم العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في الإسلام.
    خلصت الدراسة إلى أن تطبيق مبادئ الاستثمار المسؤول اجتماعيًا يمكن أن يعزز من مصداقية التمويل الإسلامي، ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المجتمع الإسلامي، بشرط مراعاة معايير الشريعة الإسلامية.
  2. دراسة سامي،( 2020) “الاستثمار الاجتماعي المسؤول ودوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الاقتصاد الإسلامي”

بحثت الدراسة في تأثير الاستثمار المسؤول اجتماعيًا على تحقيق التنمية المستدامة من خلال ربطه بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. كما تناولت أهمية الاستثمار في مشاريع تخدم أهداف الشريعة الإسلامية مثل العدالة والتكافل الاجتماعي.

خلصت الدراسة إلى أن الاستثمار المسؤول اجتماعيًا يلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد الإسلامي من خلال تقديم حلول مبتكرة لمشاكل اجتماعية وبيئية، مع تحقيق عوائد مالية مستدامة.

  1. دراسة محمود، (2021) “دور أدوات الاستثمار الأخلاقي في تعزيز التمويل الإسلامي”

ركزت هذه الدراسة على أدوات الاستثمار الأخلاقي مثل الصكوك الخضراء والاجتماعية، واستكشفت كيفية استخدامها كأدوات فعالة ضمن الإطار الإسلامي لتمويل المشاريع الاجتماعية والبيئية.

خلصت الدراسة إلى أن دمج أدوات الاستثمار الأخلاقي في التمويل الإسلامي يساهم في خلق سوق مالية تتوافق مع القيم الإسلامية وتستقطب استثمارات تهدف إلى تحقيق فوائد مجتمعية وبيئية.

  1. دراسة فاطمة،( 2022) “تحديات تطبيق مبادئ الاستثمار المسؤول اجتماعيًا في الأسواق الإسلامية”

تناولت الدراسة أبرز التحديات التي تواجه تطبيق مبادئ الاستثمار المسؤول اجتماعيًا في الأسواق الإسلامية، مثل غياب المعايير الموحدة ونقص الشفافية والمعلومات المتاحة.

خلصت الدراسة إلى أن هناك حاجة ماسة لتطوير أنظمة رقابية وتشريعية لتوفير بيئة تدعم الاستثمار المسؤول اجتماعيًا، مما يساهم في تفعيل دوره داخل الأسواق المالية الإسلامية.

منهجية الدراسة

تقوم الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي ، حيث يتم جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بمفهوم الاستثمار المسؤول اجتماعيًا، مبادئ الاقتصاد الإسلامي، وأدوات الاستثمار المتوافقة مع الشريعة. يعتمد هذا المنهج على وصف وتحليل الظواهر المتعلقة بالاستثمار المسؤول اجتماعيًا في أسواق المال الإسلامية، مع محاولة فهم آليات تطبيقه وأثره على الاقتصاد الإسلامي.

المبحث الأول: مفهوم وأهمية الاستثمار المسؤول اجتماعيًا

المطلب الأول: مفهوم ونشأةالاستثمار المسؤول اجتماعيًا

أولًا:تُعرَّيف المسؤولية الاجتماعية

تُعرّف بأنها نمط إداري يوجّه الشركات نحو تحسين أدائها في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال اعتماد سلوك مسؤول وشفاف أمام كافة الأطراف المعنية، سواء داخل المؤسسة أو خارجها، من موظفين وأفراد المجتمع إلى الجهات الحكومية وأصحاب المصالح. ويشمل ذلك تحديد أهداف واضحة تتعلق بالجودة والوقت والتكلفة، يجب أن يضعها المساهمون في الحسبان، بهدف الاستجابة الفعّالة للتحديات الاجتماعية والبيئية المعاصرة طوال دورة حياة المشروع. (خليل و حسين، 2015)

ويُعد هذا المفهوم متطورًا ومتغيرًا باستمرار، ويرتبط بشكل وثيق بمفهوم التنمية المستدامة، إذ لم تعد المؤسسات تُقاس فقط بقدرتها على تحقيق الأرباح والثروات، بل أصبحت مطالبة كذلك بتحقيق التوازن بين الربح والبيئة والمجتمع.

وتتحمل المؤسسات مسؤولية تعزيز الشفافية، واحترام أخلاقيات العمل وحقوق العمال، والمساهمة في الجهود الخيرية، ومحاربة الفساد، والمشاركة الفاعلة في مواجهة التحديات المجتمعية، وتقديم حلول مبتكرة تُسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

ثانيًا: أبعاد المسؤولية الاجتماعية

يمكن تصنيف المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى أربعة أبعاد رئيسية، وهي: البُعد الاقتصادي، البُعد القانوني، البُعد الأخلاقي، والبُعد الخيري، وذلك على النحو التالي:(كفي، 2022)

  1. البُعد الاقتصادي:

يشير هذا البُعد إلى أهمية أن تكون الشركة ذات جدوى اقتصادية، قادرة على تحقيق الأرباح وتأمين الاستدامة المالية، مع تقديم منتجات وخدمات تلبي احتياجات المجتمع. كما يشمل هذا البُعد توفير فرص العمل والمساهمة في التنمية الاقتصادية. وتستلزم المسؤولية الاقتصادية احترام مبادئ السوق والمنافسة العادلة والاستفادة من التقدم التقني بما يخدم الصالح العام، مما يعزز العلاقة الإيجابية بين المؤسسة والمجتمع المحيط بها .

  1. البُعد القانوني:

يتمثل البُعد القانوني في التزام الشركات بالتشريعات والقوانين السارية في الدولة، والتي تهدف إلى حماية حقوق الأفراد والمجتمع. ويشمل ذلك قوانين الاستثمار، العمل، البيئة، المنافسة، وسلامة المنتجات. ويُعد الامتثال لهذه القوانين مسؤولية أساسية ينبغي أن تقوم بها الشركات ضمن إطار احترام النظام القانوني ومبادئ العدالة والشفافية.

  1. البُعد الأخلاقي:

يركّز هذا البُعد على القيم والمبادئ الأخلاقية التي تتجاوز الالتزام بالقانون، وتشمل السلوكيات المتوقعة من الشركات في ضوء ما يعتبره المجتمع “صحيحًا” من الناحية الأخلاقية. ويعني ذلك تبني ممارسات عادلة ونزيهة، وتقديم منتجات آمنة وعالية الجودة، والالتزام بأخلاقيات الأعمال من حيث احترام حقوق الزبائن والمجتمع والبيئة.

  1. البُعد الخيري:

يتعلق البُعد الخيري بمبادرات الشركات الطوعية غير الملزمة قانونيًا، والتي تهدف إلى خدمة المجتمع وتعزيز رفاهيته. ويتجلى ذلك في التبرعات، المشاركة في الأعمال الخيرية، ودعم المبادرات الاجتماعية، ما يرسخ صورة الشركة كمواطن مسؤول يساهم بفعالية في تحسين جودة الحياة داخل المجتمع الذي تعمل فيه. (الأسرج، 2010)

إعداد الباحثة

ثالثًا: مفهوم الاستثمار المسؤول اجتماعيًا

يُعتبر الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) من الآليات المالية المعاصرة التي تُسهم بفاعلية في دعم الاقتصاد الإسلامي، من خلال توجيه رؤوس الأموال نحو أنشطة استثمارية منسجمة مع المبادئ الأخلاقية والضوابط الشرعية. ويتميز هذا النوع من الاستثمار بدمجه لمعايير الاستدامة البيئية، والمسؤولية الاجتماعية، والحوكمة (ESG) ضمن عملية اتخاذ القرار الاستثماري، مما يُسهم في بناء اقتصاد أكثر توازنًا وعدالة واستدامة. (فريمان و نورث، 2024).

يُعد الاستثمار المسؤول اجتماعيًا نهجًا استثماريًا يجمع بين تحقيق العوائد المالية والسعي لإحداث أثر إيجابي على المجتمع والبيئة. ويقوم هذا النوع من الاستثمار على توجيه رؤوس الأموال نحو الشركات التي تُظهر التزامًا بالممارسات المستدامة، مثل تلك العاملة في مجالات الطاقة النظيفة والتقنيات البيئية الصديقة، أو من خلال صناديق المؤشرات المتداولة التي تركز على هذه الفئات من الشركات. كما يتجنب هذا النهج الاستثمار في الشركات المرتبطة بأنشطة تُعد ضارة اجتماعيًا أو أخلاقيًا، كالقمار، والكازينوهات، وصناعات التبغ والكحول. (فريمان و نورث، 2024)

وينسجم مفهوم SRI مع الأهداف المركزية للاقتصاد الإسلامي، من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم جهود التنمية المستدامة، وصون البيئة، وتحفيز الإنتاج الحقيقي. كما يُعزز هذا الاستثمار توجيه الموارد نحو قطاعات حيوية ذات أثر مجتمعي ملموس، مثل الزراعة العضوية، والتعليم، والخدمات الصحية، مع الالتزام بالمعايير الشرعية.

رابعًا: الاستثمار في المسؤولية الاجتماعية

يُعرّف الاستثمار في المسؤولية الاجتماعية بأنه ذلك النوع من الاستثمارات الذي يراعي القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية السمحة التي تقوم على العدالة والرحمة. ويهدف هذا الاستثمار إلى تعظيم الأرباح والعوائد مع إحداث تغيير إيجابي، من خلال مراعاة الأبعاد الاجتماعية والبيئية والأخلاقية.

ويرتكز هذا التوجه على تمويل مشاريع غير تقليدية ومستدامة، مثل استخدام الطاقة البديلة، ودعم الفئات المحرومة، ومعالجة القضايا البيئية، بما يسهم في إيجاد حلول للتحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة.

وقد أظهرت الآثار المترتبة على جائحة كورونا أهمية إعادة النظر في أدوات التمويل الشرعي لمعالجة هذه التحديات، وضرورة تجديد الاجتهاد في ضوء المقاصد الشرعية، من أجل بناء اقتصاد إسلامي مالي يتماشى مع مبادئ التنمية المستدامة.(لال الدين و جعفري، 2023)

خامسًا: نشأة وتطور فكرة المسؤولية الاجتماعية

برزت فكرة المسؤولية الاجتماعية في أعقاب الثورة الصناعية، كردّ فعل طبيعي للتحولات الاقتصادية الجذرية التي رافقت نشوء المشاريع الصناعية الضخمة. فقد شهد العالم في تلك المرحلة قفزات تكنولوجية واختراعات علمية أدت إلى تطور ملحوظ في القطاعات الإنتاجية. إلا أن هذا التقدم كان مصحوبًا بتركيز مفرط على تعظيم الأرباح وتحقيق المكاسب المالية، مع إغفال شبه تام للجوانب الاجتماعية والبيئية. (بن لخصر ، صلاح ، و طلال، 2017)

وخلال القرنين التاسع عشر وبداية العشرين، سادت رؤية اقتصادية ضيقة لدى الشركات الكبرى، حيث جرى التعامل مع العامل بوصفه مجرد أداة إنتاج، في حين أُهملت المجتمعات التي واجهت نتائج وخيمة تمثلت في الاستغلال البيئي، وتدني ظروف العمل، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. وقد أدى تراكم هذه المشكلات إلى تنامي الوعي بضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين المؤسسة الاقتصادية والمجتمع.(المنصور و العامري، 2008)

ومع تصاعد الضغوط من منظمات المجتمع المدني والحقوقيين، واتساع رقعة الوعي المجتمعي، بدأت مرحلة جديدة أُعيد خلالها تعريف دور المؤسسة الاقتصادية، فلم يعد تحقيق الربح الهدف الوحيد، بل أضحت المؤسسة مطالبة بتحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع والبيئة. وبدأت بذلك في تبني مبادرات تنموية، والالتزام بأخلاقيات العمل، وتبنّي مفاهيم التنمية المستدامة.

في العصر الحديث، تبلورت المسؤولية الاجتماعية كمفهوم مؤسسي متكامل، في ظل انتشار مفاهيم جديدة مثل الشفافية، الحوكمة الرشيدة، العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة. لم تعد المسؤولية الاجتماعية مجرد مبادرة تطوعية أو نشاط خيري محدود، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية العامة للمؤسسات، ومؤشرًا أساسيًا في تقييم أدائها.

وساهمت العولمة والانفتاح المعلوماتي والثورة الرقمية في تعزيز هذا التحول، إذ أصبحت المجتمعات أكثر وعيًا بحقوقها، وأكثر قدرة على مساءلة الشركات فيما يتعلق بالتزاماتها الاجتماعية والبيئية.

وقد أفرز هذا التوجه ما يُعرف بـ”الاستثمار المسؤول”، حيث أصبحت المؤسسات المالية والمستثمرون يفضّلون التعامل مع الشركات الملتزمة بمعايير البيئة، المسؤولية الاجتماعية، والحوكمة (ESG)، باعتبارها أكثر استقرارًا، وأقل عرضة للمخاطر، وأكثر التزامًا على المدى البعيد.

في السياق العربي والإسلامي، لا تُعد فكرة المسؤولية الاجتماعية وافدة أو مستحدثة، بل لها جذور راسخة في التعاليم الإسلامية التي أرست منذ قرون طويلة مبدأ التوازن بين الفرد والمجتمع، والحقوق والواجبات، والمصلحة الفردية والمصلحة العامة.

ففي الشريعة الإسلامية، نجد العديد من المبادئ التي تؤسس لفكر المسؤولية الاجتماعية، من أبرزها: الزكاة، والوقف، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتكافل الاجتماعي، وكلها تعكس رؤية متقدمة لمجتمع متماسك ومتضامن.

وقد حرص الإسلام على أن يكون العمل الاقتصادي مرتبطًا بمنظومة أخلاقية تضمن عدالة التوزيع، وصيانة الحقوق، واحترام كرامة الإنسان. ويُعد الوقف الإسلامي من أبرز صور المسؤولية الاجتماعية المؤسسية في التاريخ الإسلامي، حيث لعب دورًا محوريًا في تمويل التعليم، والصحة، والخدمات العامة، بعيدًا عن الدولة والضرائب. كما بدأت بعض الدول العربية في تقنين المسؤولية الاجتماعية من خلال إلزام الشركات الكبرى بتخصيص جزء من أرباحها لصالح المجتمع، إما ضمن التشريعات أو كجزء من تقييمها في المؤشرات الاقتصادية.(بوخرص، 2023)

المطلب الثاني : أهمية وأهدافالاستثمار المسؤول اجتماعيًا

أولًا: أهمية تبني نهج الاستثمار المسؤول اجتماعيًا

يُعتبر الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) من الأدوات المالية المتطورة التي تساهم في تعزيز الاقتصاد الإسلامي عن طريق توجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع تتماشى مع القيم الأخلاقية والمعايير الشرعية. يعتمد هذا النوع من الاستثمار على دمج معايير الاستدامة البيئية، والمسؤولية الاجتماعية، والحوكمة(ESG) في قرارات الاستثمار، مما يساهم في خلق اقتصاد مستدام ومتوازن يعزز العدالة الاجتماعية.

يتماشى مفهوم الاستثمار المسؤول اجتماعيًا مع الأهداف الأساسية للاقتصاد الإسلامي، من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، دعم النمو المستدام، الحفاظ على البيئة، وتعزيز الإنتاجية الحقيقية. كما يوجه هذا النوع من الاستثمار الموارد نحو القطاعات ذات الأثر المجتمعي الواضح، مثل الزراعة المستدامة، التعليم، والرعاية الصحية، مع الالتزام التام بالضوابط الشرعية. (النبهاني، 2004)

وبالتالي، يُعد SRI وسيلة فعالة لتعزيز الشمول المالي وتقليص الفجوات التنموية، وتحقيق التوازن بين العوائد المالية والمنافع الاجتماعية، مما يعكس تكامل الاقتصاد الإسلامي في مزج الكفاءة الاقتصادية مع المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية.

ومع نضج هذا التوجه، أصبح الاستثمار المسؤول اجتماعيًا يُمارس اليوم في إطار منهجي ومنظم، يستند إلى معايير واضحة في مجال الاستدامة والحوكمة والشفافية، ويُعتمد كأداة استراتيجية في توجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع ذات أثر مجتمعي ملموس، دون التفريط بالعوائد المالية المتوقعة.

ثانيًا: الفروق الجوهرية بين الاستثمار الأخلاقي والاستثمار الاجتماعي المسؤول

تبرز أهمية التمييز بين الاستثمار الأخلاقي والاستثمار المسؤول اجتماعيًاكعامل أساسي لفهم التحولات التي شهدها الفكر الاستثماري المعاصر. إذ يُبنى الاستثمار الأخلاقي في جوهره على التزام المستثمرين بمجموعة من القيم والمعايير الأخلاقية الفردية، المستمدة من معتقداتهم الدينية أو الفلسفية، وهو ما يجعله يشكل الأساس الأول لتطور مفهوم الاستثمار المسؤول اجتماعيًا.

وفي حين ينطلق الاستثمار الأخلاقي من قناعات شخصية تستبعد الأنشطة التي تتعارض مع المبادئ الأخلاقية للمستثمر، فإن الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يدمج الأبعاد الاجتماعية والبيئية ضمن عملية اتخاذ القرار الاستثماري، ويركز على دراسة التأثيرات المجتمعية والبيئية للأنشطة التي يتم تمويلها.

وقد تطور هذا الاتجاه ليعكس توافقًا متزايدًا حول أهمية تحقيق التوازن بين الأهداف المالية والاعتبارات الأخلاقية، مما أسهم في بلورة مفهوم “الاستثمار المستدام” أو “الاستثمار المؤثر”، الذي لا يقتصر على تحقيق العوائد المالية، بل يسعى أيضًا إلى توليد عائد اجتماعي إيجابي، من خلال دعم المبادرات التي تُعزز التنمية المستدامة، وتحمي البيئة، وتُعزز العدالة الاجتماعية.(عماني، حقيقة، و مسغوني، 2022)

ثالثًا: الفرق بين الاستثمار المسؤول اجتماعيًا والاستثمار القائم على معايير ESG

يمثل التمييز بين الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) والاستثمار القائم على معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) عنصرًا محوريًا في فهم اتجاهات الاستثمار الحديثة.

فالاستثمار وفقًا لمعايير ESGيُعنى بتقييم الشركات بناءً على أدائها في الجوانب البيئية (Environmental)، والاجتماعية (Social)، والحوكمة المؤسسية (Governance). ويأخذ المستثمرون في هذا الإطار بعين الاعتبار تأثير هذه الجوانب على الأداء المالي للشركات، إذ يُنظر إلى المخاطر والفرص المرتبطة بالبيئة والمجتمع والحوكمة كعوامل مادية قد تؤثر بشكل مباشر في عوائد الاستثمار. وتهدف هذه المنهجية إلى تحقيق عوائد مالية معيارية دون الخروج عن المبادئ الأساسية لنظرية المحفظة المالية، والتي تفترض أنه لا ضرر من تفضيل فئات معينة من الأصول طالما تحافظ على توازن العائد والمخاطر. (عماني، حقيقة، و مسغوني، 2022)

في المقابل، يُبنى الاستثمار المسؤول اجتماعيًا على أسس أوسع تشمل معايير أخلاقية أو دينية أو قيم شخصية أو معتقدات سياسية. ويتم اختيار أو استبعاد الاستثمارات بناءً على التوافق مع هذه القيم، حتى وإن لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالأداء المالي. وبالتالي، فإن الاستثمار المسؤول اجتماعيًا يتجاوز الاعتبارات الاقتصادية ليُعبّر عن مواقف أخلاقية ومجتمعية للمستثمر.

وعلى الرغم من التقاطع بين المفهومين، إلا أن الاستثمار القائم على معايير ESG يركّز على تحديد الشركات التي تُظهر أداءً قويًا في السياسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، وذلك انطلاقًا من قناعة بأن ارتفاع مستوى تطبيق هذه المعايير يعزّز من احتمالية تحقيق الشركة لعوائد مالية أفضل. أما الاستثمار المسؤول اجتماعيًا فيُعطي الأولوية لتماشي الاستثمار مع القيم والمبادئ، وقد يقبل بعوائد أقل في سبيل تحقيق أهداف أخلاقية أو مجتمعية.(عماني، حقيقة، و مسغوني، 2022)

رابعًا: أهداف الاستثمار الاجتماعي المسؤول

يهدف الاستثمار الاجتماعي المسؤول إلى إحداث تأثير إيجابي من خلال تحقيق الأهداف التالية: (ناصري و سمرد، 2022)

  1. تعزيز الأثر الاجتماعي والبيئي على المجتمعات المحلية من خلال تحسين جودة الحياة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
  2. المساهمة في الحد من التهميش والإقصاء الاجتماعي من خلال إشراك الفئات المهمشة في عمليات التنمية.
  3. تمكين الأفراد والمجتمعات المحلية عبر دعم قدراتهم وتنمية مهاراتهم، وتعزيز مشاركتهم في اتخاذ القرار.
  4. تقديم حلول عملية ومستدامة للمشكلات البيئية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات في المناطق المستهدفة.
  5. تعزيز التكافل الاجتماعي والعدالة البيئية من خلال تقديم مبادرات ومشاريع تنموية تلبي احتياجات السكان المحليين وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

المبحث الثاني: التوافق بين SRI ومبادئ الاقتصاد الإسلامي

المطلب الأول: مبادئ الاقتصاد الإسلامي

يقرر الإسلام في منهجه الإقتصاديّ المبادئ الآتية:-

  1. مراعاة الفطرة الإنسانية في نظام الملكيّة العامّة والخاصّة

يتميّز الاقتصاد الإسلامي بكونه منبثقًا من الفطرة الإنسانية التي جاء الإسلام لصيانتها وتزكيتها. فهو لا يصادم الغرائز البشريّة، بل يعمل على توجيهها وتنميتها بشكل متوازن، بما يشبع حاجاتها دون إفراط أو تفريط، ومن دون أن يطغى جانب منها على حساب الآخر.

ومن أبرز هذه الغرائز الأصيلة في الإنسان:غريزة حبّ التملّك، وهي فطرة طبيعية يسعى الإنسان من خلالها إلى امتلاك ما يحتاج إليه ويطمح له. وقد راعى الإسلام هذه الغريزة فأقرّ الملكية الفردية، وشرع السعي إلى الكسب المشروع، وحثّ على العمل والرزق الحلال، مؤكدًا بذلك حقّ الفرد في التملّك ضمن ضوابط شرعية تضمن عدم التعدّي على حقوق الآخرين أو الإضرار بالمجتمع.

ويمثّل هذا التوجّه الإسلامي تميّزًا واضحًا عن كل من النظامين الاقتصاديين الرأسمالي والاشتراكي. فـالرأسمالية تمنح الملكيّة الخاصّة مركزية مطلقة، وتعتبرها القاعدة العامّة التي يُبنى عليها الاقتصاد، مما يؤدي إلى تراكم الثروات وغياب العدالة في التوزيع، ولا تلجأ إلى الملكيّة العامة إلا عند الضرورة الاجتماعية القصوى. (النبهاني، 2004)

أما الاشتراكية، التي تنبثق من خلفية ماديّة وإنكار للدين، فترتكز على الملكيّة العامّة باعتبارها الأساس الاقتصادي، وتقوم بتأميم معظم وسائل الإنتاج والثروة، بحيث تصبح ملكًا للدولة، ولا يُستثنى من ذلك إلا في حالات اجتماعية ضيّقة جدًا.

وفي المقابل، فإن الاقتصاد الإسلامي يقرّ بالتنوّع في الملكيّة، إذ يعترف بالملكية الخاصّة والعامّة وملكية الدولة، على أن تُدار جميعها بما يحقّق مصلحة الفرد والمجتمع في إطار القيم الأخلاقيّة والضوابط الشرعيّة. وهذا لا يعني أنّ الإسلام يمزج بين الرأسماليّة والاشتراكيّة، بل يعني أنّه نظام اقتصادي مستقل بذاته، ينبع من تصوّر عقدي وأخلاقي متميّز، يختلف جوهريًا عن الفلسفات المادية التي تقوم عليها تلك النظم. (مرشد، 2018)

  1. الحريّة الاقتصادية في الإسلام منضبطة بضوابط الحلال والحرام

تقوم الحرية الاقتصادية في النظام الإسلامي على مبدأ أساسي، يتمثل في الالتزام بأحكام الحلال والحرام في جميع مجالات المعاملات المالية والأنشطة الاقتصادية. فحرية الفرد في الكسب والإنفاق ليست مطلقة، بل مقيدة بتشريعات الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تنظيم السلوك الاقتصادي بما يحقق العدالة والمصلحة العامة، ويمنع الظلم والفساد.

ويتميز هذا المنهج عن نظيريه في النظم الاقتصادية الأخرى؛ حيث يمنح النظام الرأسمالي الأفراد حرية غير محدودة في التصرف بأموالهم ومواردهم، ما يؤدي غالبًا إلى تغليب المصالح الفردية على مصلحة المجتمع، وقد يفتح الباب أمام الممارسات الاحتكارية والاستغلالية. في المقابل، فإن النظام الاشتراكي يقيد الحريات الاقتصادية بشكل كبير، حيث تؤول معظم وسائل الإنتاج والثروات إلى الدولة، مما يؤدي إلى تقييد المبادرة الفردية ومصادرة حرية الاختيار الاقتصادي. (النبهاني، 2004)

أما في الاقتصاد الإسلامي، فإن الحرية الاقتصادية تُمارس ضمن إطار أخلاقي وروحي، بحيث تكون وسيلة لتحقيق الخير العام، وتنمية الفرد والمجتمع على حدّ سواء. ويُمنع في هذا السياق كل نشاط اقتصادي يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية، أو يتعارض مع القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية.

وقد نهى الإسلام صراحة عن عدد من المعاملات المحرّمة التي تُعدّ مفسدة للاقتصاد والمجتمع، مثل: الرِّبا، والاحتكار، والغش، والغبن الفاحش، والغرر، وغيرها من المعاملات التي تخلّ بالتوازن الاقتصادي أو تؤدي إلى استغلال الآخرين.

وبذلك، فإن الاقتصاد الإسلامي يوفّق بين الحرية الفردية والمسؤولية الأخلاقية، مما يضمن بيئة اقتصادية سليمة وعادلة، تُراعي مصالح الأفراد دون الإضرار بالمجتمع أو القيم الإنسانية العليا. (أزرق، 2020)

  1. مبدأ التوازن والتكافل في الاقتصاد الإسلامي

يُعدّ تحقيق التوازن والتكافل من المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها المنهج الاقتصادي في الإسلام، إذ يسعى الإسلام إلى إقامة مجتمع متماسك يتقارب فيه المستوى المعيشي بين أفراده، وتتقلص فيه الفجوات الاقتصادية، ويُصان فيه الكرامة الإنسانية.

ولتحقيق هذا الهدف، شرع الإسلام عددًا من الآليات التي تضمن توزيع الثروة بعدالة، ومن أبرزها: (أزرق، 2020)

  • نظام الإرث، الذي يساهم في تفتيت الثروة وتوزيعها على نطاق أوسع بين أفراد المجتمع.
  • الزكاة، باعتبارها حقًا معلومًا في أموال الأغنياء يُصرف إلى الفقراء والمحرومين، وهي ليست تبرعًا اختياريًا، بل فريضة شرعية تهدف إلى إعادة توزيع الثروة بشكل يحقق العدالة الاجتماعية.
  • كما ألزم وليّ الأمر بتحمّل مسؤولياته تجاه الفئات الضعيفة في المجتمع، من خلال توفير الاحتياجات الأساسية لهم من بيت مال المسلمين.

في المقابل، حرّم الإسلام مظاهر الترف والإسراف، لما لها من آثار سلبية في تعزيز الفوارق الطبقية وتعطيل التوازن المجتمعي. فالإسلام لا يكتفي بالتكافل الإجباري عبر التشريعات الملزمة، بل يعتمد كذلك على الوازع الإيماني، حيث يحرّك مشاعر الأخوة ويوقظ الضمير الإسلامي في النفوس، مما يدفع الفرد المسلم إلى العطاء الطوعي ومساعدة المحتاجين انطلاقًا من إيمانه وروح التضامن. (العجمي، 2019)

ومن خلال هذا التوازن بين الواجبات الشرعية والمحفزات الإيمانية، تتحقق في الأمة روح التعاون على البرّ والتقوى، ويتعزز البناء الاجتماعي السليم الذي يقوم على العدالة، والتراحم، والمسؤولية المتبادلة.

المطلب الثاني: آفاق التكامل بين الصكوك الإسلامية وأدوات SRI

أولًا: مساهمة الصكوك الإسلامية في تمويل الاستثمار

تُسهم الصكوك الإسلامية بشكل فاعل في تمويل الاقتصاد، وذلك من خلال توفير التمويلات اللازمة لمختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية. وتتمثل هذه المساهمة في النقاط التالية:

  1. حشد المدخرات والموارد المالية:

تمتلك الصكوك الإسلامية قدرة عالية على تعبئة الموارد المالية وتوجيهها نحو تمويل القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية مثل الزراعة، والصناعة، والإسكان، بما يخدم تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية.
تلعب المؤسسات المالية الإسلامية دور الوسيط الفعال في هذا المجال، حيث تعمل وفقًا لآلية المشاركة، فتربط بين أصحاب المدخرات والمستثمرين، مما يعزز من كفاءة توظيف رأس المال.

يتجلى دور الصكوك الإسلامية في هذا السياق من خلال:(العيفي، 2024)

  • تنويع مصادر التمويل المالي.
  • نشر الوعي الادخاري والاستثماري، خاصة بين صغار المدخرين.
  • استقطاب رؤوس الأموال المهاجرة.
  • تحقيق التكامل بين القطاع المالي والقطاع الحقيقي.
  • توسيع قاعدة المشاريع الاستثمارية ودعمها بالتمويل المناسب.

 

  1. تمويل المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية

تلعب الصكوك الإسلامية دورًا محوريًا في تمويل المشاريع الاستثمارية، وذلك من خلال توفير مصادر مالية طويلة الأجل تدعم الاستثمارات ذات الطبيعة الاستراتيجية والممتدة زمنيًا، لا سيما في الدول النامية. ويُسهم هذا النوع من التمويل في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقليل هيمنة البنوك التقليدية على عمليات الإقراض، فضلًا عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تُعد ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي. (العيفي، 2024)

كما تُعزز الصكوك من كفاءة تخصيص الموارد، وتُساهم في تحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة، من خلال إتاحة فرص تمويلية متعددة تتماشى مع مبادئ العدالة والشراكة، بما يتوافق مع أهداف الاقتصاد الإسلامي.

  1. تمويل عجز الموازنة العامة:

تُعد الموازنة العامة الأداة الأساسية التي تستخدمها الدولة في سياستها المالية للتعبير عن الأهداف الاقتصادية التي تسعى لتحقيقها. كما تساهم في معالجة العديد من المشاكل الاقتصادية مثل التضخم والكساد. وفي هذا السياق، يُعتبر إصدار الصكوك الإسلامية بديلاً مناسبًا عن سندات الخزينة لتغطية العجز الذي قد يحدث في الموازنة العامة، نظرًا لكونها أداة تمويلية مستدامة. تسهم الصكوك في توجيه التمويل نحو المشاريع التنموية، مما يساعد في سد العجز وتحقيق التوازن المالي للدولة. (حناشي و بن معتوق، 2024)

  1. معالجة مشكلة البطالة:

تسهم صكوك الاستثمار بشكل كبير في الحد من البطالة. على سبيل المثال، تقوم صكوك المشاركة بالقضاء على البطالة من خلال تجميع الموارد المالية والخبرات العملية ضمن الشركة، مما يعزز قدرة المشروع على توفير فرص عمل مستدامة، ويسهم في دعم الاقتصاد المحلي عبر تفعيل قوى العمل المتاحة. (حناشي و بن معتوق، 2024)

ثانيًا: أدوات الاستثمار المسؤول اجتماعيًا

تشهد الدول النامية اهتمامًا متزايدًا بالاستثمارات الاجتماعية المسؤولة والمستدامة، حيث تمثل ما يقارب 99% من إجمالي هذه الاستثمارات على مستوى الأسواق الناشئة عالميًا.

  1. صكوك الاستثمار الاجتماعي المسؤول

يُعد الاستثمار الاجتماعي المسؤول في الدول النامية استجابة فعالة للتحديات المرتبطة بالتنمية العادلة، والعدالة الاجتماعية، ومواجهة أوجه الإقصاء الاجتماعي. ويُسهم هذا النوع من الاستثمار في دعم التماسك المجتمعي وتحقيق الإدماج الاجتماعي من خلال تمويل مشاريع ذات طابع اجتماعي وإنساني. وتشمل هذه المشاريع المبادرات التي تستهدف معالجة المشكلات المتعلقة بالبنية التحتية الأساسية، وتوفير الخدمات الحيوية، وخلق فرص عمل مستدامة في القطاعات التي تعاني من نقص حاد في التمويل أو الاهتمام. (ناصري و سمرد، 2022).

  1. السندات البيئية والصكوك البيئية

تُعد السندات البيئية أداة مالية مبتكرة تهدف إلى تعبئة الموارد المالية لمواجهة التحديات البيئية، مثل تغيّر المناخ والتدهور البيئي. وقد أُطلقت أولى هذه السندات في عام 2007 من قبل بنك الاستثمار الأوروبي، مما شكّل خطوة رائدة نحو تعزيز دور القطاع المالي في دعم الاستثمارات الاجتماعية المسؤولة. وقد ساهمت هذه المبادرة في دفع عجلة التمويل الأخضر وتوجيهه نحو مشاريع بيئية ذات تأثير إيجابي مستدام.

  1. صناديق الاستثمار الاجتماعية المسؤولة (الأخلاقية)

تُعد صناديق الاستثمار الأخلاقية أحد أشكال الأدوات المالية التي تسعى إلى تحقيق عوائد مالية، مع الالتزام بمبادئ أخلاقية وإنسانية. فهي تُوجه استثماراتها نحو الشركات أو المشاريع التي تحترم المعايير الاجتماعية والبيئية، وتبتعد عن القطاعات التي تتعارض مع القيم الأخلاقية، مثل الصناعات الملوثة أو تلك المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان. وتهدف هذه الصناديق إلى تحقيق تأثير إيجابي في المجتمع من خلال تمويل مشاريع تعزز العدالة الاجتماعية، مثل مكافحة الفقر أو تمكين الفئات الهشة، إلى جانب تحقيق أرباح مستدامة للمستثمرين. (بن لخصر ، صلاح ، و طلال، 2017)

وتُعد هذه الصناديق تجسيدًا واضحًا للمبادئ الأساسية للاستثمار الاجتماعي والاقتصادي المسؤول، إذ تُعنى بتوجيه رؤوس الأموال نحو القطاعات التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد البيئية والاجتماعية، بما في ذلك قضايا مثل العدالة الاجتماعية، مكافحة التلوث، دعم المجتمعات المهمّشة، وتفادي الاستثمار في الصناعات المرتبطة بالنزاعات أو انتهاكات حقوق الإنسان. وبهذا، تساهم هذه الصناديق في إحداث تغيير إيجابي مستدام على المستويين البيئي والمجتمعي. (قمان، 2017)

ثالثًا: فرص التكامل بين الصكوك الإسلامية وأدوات الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI):

يمثل التكامل بين الصكوك الإسلامية وأدوات الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) خطوة استراتيجية هامة تهدف إلى تعزيز كفاءة السوق المالي في تحقيق التنمية المستدامة، مع الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والشرعية. يشترك كل من الصكوك الإسلامية وأدوات SRI في تأكيد مبادئ العدالة، الشفافية، والاستدامة، مما يسهم في خلق بيئة مالية متكاملة تعزز الاقتصاد الإسلامي وتساهم في تنميته. في ما يلي أبرز آفاق التكامل بين الصكوك الإسلامية وأدوات  SRI:

  1. يعد التكامل بين الصكوك الإسلامية وأدوات SRI أداة فعّالة لتمويل المشاريع التي تركز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل الحفاظ على البيئة، تعزيز العدالة الاجتماعية، وتحقيق الحوكمة الرشيدة. من خلال هذا التكامل، يمكن تمويل مشاريع حيوية في مجالات مثل الطاقة المتجددة، التعليم، والرعاية الصحية، مما يعزز دور التمويل الإسلامي في بناء اقتصاد مستدام.(سياخن و صبرنيه، 2019)
  2. يمكن أن يعزز دمج معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) في هيكل الصكوك الإسلامية من جاذبية هذه الأدوات في الأسواق العالمية. إذ يبحث المستثمرون الدوليون عن فرص استثمار تتماشى مع قيم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، مما يفتح المجال لجذب الاستثمارات الأجنبية في الأسواق المالية الإسلامية.
  3. يسهم التكامل بين الصكوك وأدوات SRI في تنويع مصادر التمويل الموجهة نحو المشاريع التنموية المستدامة. على سبيل المثال، يمكن للصكوك الخضراء أو الصكوك الاجتماعية أن تساهم في تمويل المشاريع التي تركز على تطوير البنية التحتية البيئية والاجتماعية، بما يتماشى مع المعايير الشرعية وأهداف الاستثمار المسؤول.
  4. توفر أدوات SRI آليات لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال، حيث تلتزم الشركات المصدرة للصكوك الإسلامية بمعايير رقابية صارمة تشمل الإفصاح عن الجوانب البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. مما يعزز الثقة بين المستثمرين ويوفر بيئة استثمارية مستدامة وموثوقة.
  5. يشترك كل من الصكوك الإسلامية وأدوات SRI في تبني قيم أخلاقية متكاملة، حيث تركز الصكوك الإسلامية على استثمار الأموال في مشاريع تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية مثل تجنب الربا والممارسات المحرمة، في حين تركز أدوات SRI على استثمار الأموال في مشاريع تحقق منافع اجتماعية وبيئية، مما يعزز من دور التمويل الإسلامي في بناء اقتصاد عادل ومستدام.
  6. يسهم التكامل بين الصكوك الإسلامية وأدوات SRI في تطوير أدوات مالية جديدة تجمع بين المعايير الشرعية والمبادئ المستدامة. على سبيل المثال، يمكن إطلاق “الصكوك الخضراء الإسلامية” أو “الصكوك الاجتماعية”، التي ستجد جذبًا كبيرًا من قبل المستثمرين الذين يسعون لتحقيق عوائد مالية مع الحفاظ على قيم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية.(سياخن و صبرنيه، 2019)

المبحث الثالث:

المطلب الأول: نماذج من تجارب الدول الإسلامية في مجال الاستثمار المسؤول اجتماعياً

فيما يلي أبرز النماذج من تجارب بعض الدول الإسلامية:

أولًا: تجربة ماليزيا:

تُعد ماليزيا من الدول السبّاقة في دمج معايير الاستثمار المسؤول اجتماعياً ضمن إطار سياساتها الاقتصادية. فقد عملت على تطوير سوق الصكوك الخضراء والاجتماعية، وأطلقت في عام 2017 أول إصدار لصكوك خضراء متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بهدف تمويل المشاريع البيئية المستدامة، مثل مبادرات الطاقة النظيفة والنقل الصديق للبيئة. كما أطلقت الحكومة عدة مبادرات، من أبرزها برنامج “الاستثمار المسؤول والتنمية الاجتماعية”، الذي يهدف إلى تشجيع المؤسسات الاستثمارية على تبني الاعتبارات البيئية والاجتماعية ومعايير حوكمة الشركات (ESG). وفي ذات السياق، أصدرت هيئة الأوراق المالية الماليزية إرشادات تنظيمية تهدف إلى توجيه الاستثمارات نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.(كفي، 2022)

قامت ماليزيا بتطوير أحدث أنواع الصكوك الإسلامية المصممة خصيصًا لتلبية متطلبات المستثمرين المهتمين بالمسؤولية الاجتماعية والاستدامة، مما أسفر عن إصدار أول صكوك عالمية للاستثمار المستدام والمسؤول، والمعروفة باسم صكوك الاستثمار المسؤول اجتماعياً (Socially Responsible Investment – SRI Sukuk). وقد أصدرت الوكالة الحكومية “Khazanah” هذه الصكوك لأول مرة عام 2011 بهدف تمويل إنشاء المدارس الوقفية، إلى جانب إصدار صكوك خضراء موجهة لتمويل المشاريع البيئية الصديقة للبيئة. وتجدر الإشارة إلى أن هيئة الأوراق المالية الماليزية (SC) قامت بتحديد أربع فئات من المشاريع المؤهلة للحصول على تمويل عبر صكوك (SRI)، كما هو موضح في الشكل التالي.(كفي، 2022)

SOURCE : Mohd Owais , Implication of Malaysia SRI Sukuk framework in Sustainable Community and Economic Development, IOSR Journal of Economics and Finance (IOSR-JEF). Volume 9, Issue 6 Ver. IV (Nov. – Dec.2018)

صدر أول صك أخضر في ماليزيا في يوليو 2012 من قبل شركة “تاداو إنيرجي” للطاقة الشمسية، وذلك بمساعدة فنية من البنك الدولي. وقد تمكنت الشركة من جمع 210 مليون رينجيت ماليزي لتمويل بناء محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 10 ميغاوات. وبعد هذا النجاح، أصدرت شركات ماليزية أخرى أربعة صكوك خضراء وسندًا أخضر واحدًا. في أكتوبر 2012، أصدرت شركة “كوانتوم سوالر بارك” واحدة من أكبر الصكوك الخضراء في العالم بقيمة مليار رينجيت ماليزي، بهدف تمويل بناء ثلاث محطات للطاقة الشمسية الكهروضوئية على نطاق واسع في مناطق كيدا، ترينجانو، وملقا. ويُعد هذا المشروع أكبر مشروع للطاقة الشمسية في جنوب شرق آسيا، ومن المتوقع أن يولد نحو 222,000 ميغاوات من الكهرباء.(البنك الدولي، 2018)

ثانيًا: تجربة المملكة العربية السعودية

مع تزايد الحاجة إلى التوسع الاستثماري الذي يخدم المجتمع، ظهر مفهوم الاستثمار الاجتماعي الذي يهدف إلى تحقيق عائد مالي مع مراعاة مجموعة من القيم والأخلاق والتأثير المستدام على حياة الأفراد. يتم ذلك من خلال الاستثمار في الشركات التي تعمل في مجالات مفيدة مثل الطاقات النظيفة، وتأمين خدمات اجتماعية مثل الإسكان، والتعليم، والزراعة، والبيئة، وغيرها من الخدمات الأساسية.

فرص الاستثمار الاجتماعي

إن بناء الأمم وتطورها هو مسؤولية جماعية يجب أن يلتزم بها الجميع دون استثناء، وذلك من خلال التعرف على الإمكانات والاحتياجات الأساسية، ثم السعي لتلبيتها ودعمها. وفي هذا السياق، عملت المملكة على تحديد وتطوير الفرص الاستثمارية وتحفيز الاستثمار الاجتماعي من خلال توفير التسهيلات اللازمة، حيث تتولى وزارة الاستثمار قيادة تطوير البيئة الاستثمارية بهدف تنفيذ المشاريع الاجتماعية التنموية التي لها تأثير مستدام. كما يتم التركيز على توزيع هذه الفرص بين المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وفي المراحل المتقدمة، يتم دمج هذه المشاريع بشكل احترافي لتقديم حلول تركز على التنمية المحلية والمناطقية.

وتسعى برامج الاستثمار الاجتماعي، من منظور متخصص، إلى تعظيم التكامل بين المشاريع عبر ثلاثة مجالات أساسية هي: (التعليم والابتكار، البيئة والصحة، والازدهار الاقتصادي).

وفقًا لمنصة بوابة التمويل «منشآت»، فقد بلغ إجمالي القروض المقدمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر المنصة 12.3 مليار ريال بحلول الربع الأول من عام 2022، مقارنة بنحو 1.15 مليار في عام 2020. كما سجلت القروض الميسرة نموًا بنسبة 884% خلال الفترة بين 2020 و2021. بلغ عدد المنشآت التي تلقت الدعم نحو 3600 منشأة عبر 45 جهة تمويلية.(آل دربه، 2022)

ومن جانب آخر، وفي ظل تزايد الفرص الاستثمارية، أعلنت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت” في منتصف أبريل 2021 عن إطلاق منصة الامتياز التجاري المطورة، التي توفر لرواد الأعمال فرص الاستثمار التجاري وتوضح أنظمته، بالإضافة إلى برامج رحلة الامتياز التي تشمل المانح وصاحب الامتياز، مع تقديم المواد التوعوية المتعلقة بالأنشطة التجارية المتاحة في هذا المجال. ويعد الامتياز التجاري ركيزة أساسية في الأنظمة التجارية عالميًا، وقد أصدر مجلس الوزراء نظام الامتياز التجاري الذي يحدد المرجعية القانونية التي تحمي حقوق كل من مانح الامتياز وصاحب الامتياز.(آل دربه، 2022)

ثالثًا: تجربة البحرين

تبرز تجربة البحرين كنموذج غني وملهم في مجال الاستثمار الاجتماعي، حيث يُعد إطلاق مبادرة تأسيس بنك الأسرة مثالًا ناجحًا على الاقتصاد الاجتماعي الذي يسعى لمعالجة قضايا المجتمع عبر تقديم حلول مستدامة. ويُعد بنك الأسرة أول بنك اجتماعي في المنطقة يوفر خدمات التمويل الإسلامي المتناهي الصغر، مستهدفًا محدودي الدخل، والمرأة، والشباب، والعاطلين عن العمل، من خلال تقديم خدمات مالية وغير مالية تسهم في تمكين هذه الفئات وتعزيز دورها الاقتصادي والاجتماعي.

تُعد تجربة البحرين في الاستثمار المسؤول اجتماعيًا واحدة من التجارب الرائدة والملهمة في المنطقة، حيث أولت المملكة اهتمامًا كبيرًا بترسيخ مبادئ التنمية المستدامة وتعزيز دور الاستثمار كأداة لخدمة المجتمع. وقد سعت البحرين إلى توجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع تحقق عوائد مالية وفي ذات الوقت تترك أثرًا اجتماعيًا إيجابيًا طويل الأمد.(تجربة البحرين غنية في مجال الاستثمار الاجتماعي، 2025)

من أبرز ملامح هذه التجربة، إطلاق مبادرة بنك الأسرة، الذي يُعتبر أول بنك اجتماعي في المنطقة متخصص في تقديم التمويل الإسلامي المتناهي الصغر. وقد تم تأسيسه بهدف تمكين الفئات محدودة الدخل، ودعم المرأة، والشباب، والعاطلين عن العمل، من خلال توفير خدمات مالية وغير مالية تساعدهم على تحقيق الاستقلال الاقتصادي والمساهمة الفعالة في المجتمع.

كما ركزت البحرين على تطوير البيئة التشريعية والتنظيمية الداعمة للاستثمار الاجتماعي، مع تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني. وشجعت المملكة إنشاء صناديق استثمارية تهدف إلى تحقيق أثر اجتماعي، مع التركيز على قطاعات حيوية مثل التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان الميسر، والطاقة المتجددة.

وبالإضافة إلى ذلك، عملت البحرين على نشر ثقافة الاستثمار المسؤول بين الأفراد والمؤسسات، من خلال حملات توعوية وبرامج تدريبية، مما ساهم في بناء وعي مجتمعي بأهمية توجيه الاستثمارات لخدمة قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية.

المطلب الثاني: تحديات وفرص تطبيقالاستثمار المسؤول اجتماعيًا(SRI )في أسواق المال الإسلامية

أولًا: التحديات

  1. غياب المعايير الموحدة: رغم الانسجام الكبير بين مبادئ الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) ومبادئ الشريعة الإسلامية مثل العدالة والاستدامة، إلا أن غياب معايير موحدة وواضحة لتطبيق SRI في أسواق المال الإسلامية أدى إلى حدوث تباين وارتباك بين المؤسسات والمستثمرين حول كيفية الالتزام بهذه المبادئ.
    2. ضعف الوعي والمعرفة: لا يزال مستوى الوعي بمفاهيم وأدوات الاستثمار المسؤول الاجتماعي منخفضًا نسبيًا في بعض الأسواق الإسلامية، مما يقلل من الإقبال على المنتجات المالية المتوافقة مع مبادئ SRI ويعيق انتشارها.
    3. صعوبة القياس والتقويم: تُعد عملية قياس الأثر الاجتماعي والبيئي للاستثمارات من أبرز التحديات، في ظل افتقار الأسواق إلى أدوات ومعايير دقيقة وموحدة تتيح تقييم الأداء غير المالي بشكل منهجي وشفاف.
    4. ارتفاع تكاليف الامتثال: يتطلب تطبيق معايير الاستثمار المسؤول مستوى عاليًا من الشفافية وإجراء تقييمات بيئية واجتماعية دورية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الامتثال، خاصة بالنسبة للمؤسسات المالية الصغيرة والمتوسطة، مما قد يشكل عائقًا أمام تبني هذه المعايير على نطاق واسع.
    5. نقص البيانات وضعف الشفافية: تعاني أسواق المال الإسلامية من قلة البيانات الموثوقة المتعلقة بالأداء البيئي والاجتماعي للشركات، مما يصعّب على المستثمرين تقييم المشاريع بناءً على مبادئ SRI واتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
    ثانيًا: الفرص
  2. التوافق الطبيعي مع المبادئ الإسلامية: يُعد الاستثمار المسؤول اجتماعيًا (SRI) متماشياً بطبيعته مع القيم الإسلامية التي تقوم على العدالة، الأمانة، وتحقيق التنمية المستدامة، مما يمنح أسواق المال الإسلامية فرصة كبيرة لتبني هذا النوع من الاستثمار وتعزيزه.
  3. تنامي الطلب العالمي على الاستثمارات المسؤولة: يشهد العالم تزايدًا ملحوظًا في الاهتمام بالاستثمار المسؤول بيئيًا واجتماعيًا، مما يفتح أمام أسواق المال الإسلامية آفاقًا واسعة لجذب المستثمرين الذين يبحثون عن فرص تحقق العائد المالي مع الالتزام بالقيم الأخلاقية.
    3. إمكانات الابتكار المالي: يمثل تطبيق مبادئ SRI فرصة لتطوير منتجات مالية إسلامية مبتكرة، مثل الصكوك الخضراء والصناديق الاستثمارية المستدامة، بما يلبي تطلعات شريحة واسعة من المستثمرين المحليين والدوليين.
    4. دعم أهداف التنمية المستدامة: من خلال تبني مبادئ SRI، يمكن لأسواق المال الإسلامية أن تسهم بفعالية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، مما يعزز صورتها كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المسؤولة.
    5. تعزيز الثقة وجذب الاستثمارات: الالتزام بمعايير المسؤولية الاجتماعية والبيئية يعزز مستوى الشفافية والمصداقية في الأسواق المالية الإسلامية، مما يساهم في بناء ثقة المستثمرين وزيادة تدفق الاستثمارات طويلة الأجل.

الخاتمة

أولًا: النتائج

  1. أظهرت الدراسة أن الاستثمار المسؤول اجتماعيًا يتناغم بشكل طبيعي مع القيم والمبادئ التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي، مثل العدالة، الشفافية، وتحقيق التنمية المستدامة، مما يعزز من قدرته على تحقيق النمو الشامل والمتوازن.
  2. توصلت الدراسة إلى أن اعتماد مبادئ SRI يفتح المجال أمام ابتكار أدوات مالية إسلامية جديدة مثل الصكوك الخضراء وصناديق الاستثمار الاجتماعي، بما يسهم في تنويع المنتجات المالية وجذب شرائح أوسع من المستثمرين الباحثين عن استثمارات تتسم بالمسؤولية والأثر الإيجابي.
  3. أظهرت النتائج أن الاستثمار المسؤول يوفر آلية فعالة لدعم جهود الاقتصاد الإسلامي في المساهمة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة في مجالات مثل مكافحة الفقر، التعليم الجيد، الطاقة النظيفة، والعمل اللائق.

ثانيًا: التوصيات

  1. العمل على ابتكار مؤشرات مالية متكاملة تجمع بين الالتزام بالمعايير الشرعية الإسلامية ومعايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، بما يسهم في توجيه رؤوس الأموال نحو أدوات استثمارية تحقق التوافق الشرعي إلى جانب الأثر الإيجابي في المجتمع والبيئة.
  2. تطوير منصات رقمية متخصصة في التمويل الجماعي، تُعنى بتمويل المشروعات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والتي تحمل طابعًا تنمويًا مستدامًا، مثل مشاريع الطاقة المتجددة، الزراعة العضوية، والتعليم المجتمعي. تتيح هذه المنصات مشاركة الأفراد بمبالغ صغيرة، مما يُسهم في تعزيز الشمول المالي وتوسيع قاعدة المستثمرين في المشاريع ذات الأثر الإيجابي.
  3. تصميم نظام تصنيفي جديد يُقيّم أداء المؤسسات المالية الإسلامية استنادًا إلى مدى التزامها بالمعايير الشرعية إلى جانب مدى مساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs). من شأن هذا النظام أن يُشكل أداة مرجعية تحفيزية تعزز من التنافسية بين المؤسسات في مجالات الأداء الاجتماعي والبيئي.
  4. إعادة توظيف أموال الوقف من خلال إنشاء صناديق استثمارية وقفية تستهدف تمويل مشاريع تنموية ذات أثر اجتماعي وبيئي، كالمستشفيات البيئية والمدارس الذكية في المناطق النائية. يُمكن لهذا التوجه أن يُعيد للوقف دوره التاريخي كأداة فعالة في التنمية المستدامة.
  5. يُوصى بتوفير حوافز مالية وتسهيلات تنظيمية للشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة التي تُعنى بحلول اجتماعية وبيئية مبتكرة، مثل مبادرات إعادة التدوير أو التعليم الرقمي للفئات المهمشة.
  6. ضرورة إدراج موضوعات الاستثمار المستدام ضمن المناهج الدراسية في كليات الشريعة والاقتصاد الإسلامي، بما يسهم في إعداد كفاءات قادرة على الربط بين المبادئ الشرعية ومتطلبات التنمية المعاصرة.

المراجع:

  1. تجربة البحرين غنية في مجال الاستثمار الاجتماعي. (2025, ابريل 26). Retrieved from https://www.albiladpress.com/.
  2. ابراهيم رجب خليل، و حسن أحمد حسين. (2015). المسؤولية الاجتماعية في الفكر الإسلامي وآفاق تفعيلها في ظل عصر العولمة. مجلة كركوك للعلوم الإدارية والاقتصادية، 5، 143.
  3. أزرق, ت. (2020). الخصائص العامة للاقتصاد الإسلامي وأهم المبادئ التي تحكمه. مجلة البحوث الدينية, مجلد 4, 108.
  4. آل دربه, ع. (2022). استثمارك المسؤول اجتماعيا في المملكة. صحيفة مال.
  5. الأسرج, ح. (2010). المسؤولية الاجتماعية للشركات. مجلة جسر التنمية, 25, 90.
  6. البنك الدولي. (2018). إنهاء الفقر والاستثمار في الفرص. https://www.albankaldawli.org/.
  7. العجمي, ع. ن. (2019). خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي وأهدافه. مجلة كلية الآداب جامعة سوهاج, 50, 104.
  8. العيفي, ع. (2024). صكوك التمويل الإسلامي.الجزائر: البدر الساطع للطباعة والنشر.
  9. لنبهاني, ت. (2004). النظام الاقتصادي في الإسلام.بيروت: دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع.
  10. بوخرص, ع. (2023). مكانة الاستثمار الاجتماعي في ظل تبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية : دراسة حالة مجموعة البركة 2015-2021. مجلة دراسات اقتصادية, 302.
  11. حناشي, س., &بن معتوق, ص. (2024). الصكوك الإسلامية ودورها في تمويل التنمية المستدامة- دراسة مقارنة بين التجربة الماليزية والتجربة السودانية. مجلة الباحث الاقتصادي, المجلد 11 – العدد 01, 506.
  12. سياخن, م., &صبرنيه, ر. (2019). آليات تعزيز المسؤولية الاجتماعية في البنوك الإسلامية ودورها في تحقيق التنمية المستدامة – الصكوك الإسلامية الخضراء أنوذجا-. مجلة المنتدى للدراسات والأبحاث الاقتصادية, 3, 59.
  13. طاهر محسن المنصور، و صالح محسن العامري. (2008). المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات الأعمال الأعمال والمجتمع. عمان: دار وائل للنشر .
  14. فريمان, ج., &نورث, س. (2024, 11 29). https://www.etoro.com/ar/investing/ethical-investing/. Retrieved 4 23, 2025, from https://www.etoro.com/ar/investing/ethical-investing/.
  15. قمان, م. (2017). متطلبات إدماج الاستثمار المسؤول والمستدام في السوق المالية الجزائرية. مجلة العلوم الاقتصادية والتيسير والعلوم التجارية, 17, 236.
  16. لال الدين, د. م., &جعفري, د. (2023). الاستثمار المسؤول اجتماعيًا وتطبيقاته في المؤسسات المالية الإسلامية. الاقتصاد الإسلامي, 507, 22.
  17. لمياء عماني، محمد حقيقة، و منى مسغوني. (2022). دور صناديق الاستثمار المسؤول اجتماعيًا في تعزيز النظام المالي المستدام. مجلة التنمية الاقتصادية، 2، 23.
  18. مرشد, م. س. (2018). خصائص الاقتصاد الإسلامي. مجلة المنهل الاقتصادي, 9.
  19. مريم كفي. (2022). تعزيز الاستثمار المسؤول اجتماعيًا في ماليزيا الصكوك الخضراء نموذجًا. مجلة أبحاث ودراسات التنمية، 1، 492.
  20. مسعودة بن لخصر ، محمد صلاح ، و زغبة طلال. (2017). الاستثمار المسؤول اجتماعيا فرصة للتمويل الإسلامي في ظل تحقيق التنمية المستدامة – عرض بعض التجارب الرائدة في مجال المسؤولية الاجتماعية-. مجلة التنمية والاقتصاد التطبيقي – جامعة المسيلة، 1، 51.
  21. ناصري, إ., &سمرد, ن. (2022). الاستثمار الاجتماعي المسؤول ودوره في تعزيز التنمية المستدامة -دراسة حالة مشروع AGID لولاية سيدي بلعباس (الجزائر). مجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة, 02, 73.

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.